وليس يصّح في الأفهام شيءٌ إذا احتاج النهار إلى دليل - المتنبي
نعود لنتابع ونؤكد مرة أخرى على أهمية تجديد الخطاب الإعلامي والثقافي التعبوي الفلسطيني-العربي-، في ضوء استمرار العدوان الصهيوني الحربي الإجرامي الشامل على الشعب الفلسطيني والجرائم والمجازر الجماعية التي يقترفها الاحتلال بحق الفلسطينيين على مدار الساعة، ونعود قليلا إلى الوراء لنستحضر مدى أهمية المعركة الثقافية التعبوية في مواجهة المشروع الصهيوني، وفي مواجهة روايتهم وأساطيرهم المزيفة، فقد كان المُحلّل الإسرائيليّ آساف شاليف كشف في مقالٍ نشره على موقع (محادثة محليّة) الإخباريّ – العبريّ 2019/2/20، النقاب عن "أن الكيان الصهيوني يُخفي مئات آلاف الوثائق عن المجازر التي ارتكبها ضدّ الفلسطينيين وملفات مذابح دير ياسين وكفر قاسم أكبر المذابح التي نفذّتها إسرائيل ما زالت سريّةً".
إلى جانب ذلك، وفي ظل فضاءات النكبة والذكرى الرابعة والسبعين وفي ظل أجواء الحرب الوجودية الشاملة وتحت وطأة موجات الهجمات اليومية الإرهابية على القدس والخليل ونابلس وكل الأماكن الفلسطينية، وبينما كنت أراجع أوراقي الأرشيفية كعادتي في أعمالي البحثية، لفت انتباهي وأثار ذهولي خبر قرأته في صحيفة هآرتس العبرية منذ سنوات تحت عنوان: "لنكتب.. كي لا ننسى: حتى لو لم يكن هناك من يقرأ..". وجاء في الخبر: "أن مؤسسة يد فشيم اليهودية - متحف المحرقة اليهودية - في القدس تتلقى وتصدر سنويا 200 كتاب مذكرات شخصية ليهود عايشوا – على حد زعمهم - المحرقة/ الكارثة اليهودية"، والغاية من هذه الكتب أنها توثق تفاصيل المحرقة والمعاناة اليهودية...!!
كما كان لفت انتباهي خبر كان قد نشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية 2016-8-24، يقول: إن الحكومة الإسرائيلية تقوم بمشروع يستهدف ربط اليهود في الجامعات في جميع أرجاء العالم باليهودية والصراع ضد مقاطعة "إسرائيل". وقال نفتالي بينيت زعيم حزب "البيت اليهودي" المتشدد ورئيس الحكومة الإسرائيلية المستقيل: "هذا قرار تاريخي يؤثر على الشعب اليهودي لمئات السنوات القادمة". وتضمن المشروع، الذي عرضته وزارة المهجر، نشاطات في مئات الجامعات الدولية في جميع أرجاء العالم لتعزيز الهوية اليهودية والعلاقة مع "إسرائيل" في أوساط الطلاب اليهود، وتشرف منظمات يهودية على هذا المشروع الصهيوني الذي يسعى إلى ترويج روايتهم ومزاعمهم حول "أرض الميعاد" و"القدس والخليل مدينتي الآباء والأجداد"...!
تصوروا... والعبرة من ذلك: هم لا ينامون ويعملون ليل نهار وعلى مدار الساعة من أجل اختطاف فلسطين بكاملها وتزوير روايتها، من عربية بالكامل إلى صهيونية بالكامل، وبالتالي: أليس من الأجدر أن تلتفت المنظمات والهيئات والاتحادات الثقافية الفلسطينية والعربية لهذا التوجه الصهيوني الخطير...؟! ثم أليس من الأجدر أن ينبري الأثرياء الفلسطينيون في الداخل والخارج على حد سواء لدعم مشاريع ثقافية وتراثية توثيقية تأريخية موسوعية لكافة محطات ومراحل وعناوين القضية الفلسطينية والصراع مع المشروع الصهيوني...؟ ألا يدرك هؤلاء الأثرياء مثلا أن المعركة الثقافية التربوية التعبوية بمنتهى الأهمية التأريخية والقانوية والأخلاقية، وبالتالي السياسية والاستراتيجية، فهي تساهم في الحاصل الاستراتيجي في هزيمة المشروع الصهيوني إن ارتقى الجميع إلى مستوى التحدي والمسؤولية...؟